كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال سبحانه وتعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزقُهُ} [الطلاق: 7]، وقال ابن زيد: هو استفهام معناه: أفظنّ أن لن نقدر عليه؟.
وروى عوف عن الحسن أنّه قال: معناه: فظنّ أنّه يعجز ربّه فلا يقدر عليه.
قال: وبلغني أن يونس لمّا أذنب انطلق مغاضبًا لربّه واستزلّه الشيطان حتّى ظنّ أن لن يقدر عليه.
قال: وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان فقذفه في بطن الحوت، فمكث في بطن الحوت أربعين من بين يوم وليلة، وقيل: سبعة أيام، وقيل: ثلاثة، وأمسك الله نفسه فلم يقتله هناك، فتاب إلى ربّه في بطن الحوت وراجع نفسه فقال: {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} فاستخرجه الله من بطن الحوت برحمته.
قال عوف: وبلغني أنّه قال: وبنيت لك مسجدًّا في مكان لم يبنه أحد قبلي. والتأويلات المتقدمة أولى بالأنبياء وأبعد من الخطأ.
{فنادى فِي الظلمات} أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، قاله أكثر المفسّرين، وقال سالم بن أبي الجعد: ظلمة جوف الحوت، ثم ظلمة جوف الحوت الآخر الذي ابتلعه في ظلمة البحر.
{أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} قال محمد بن قيس: قال يونس: {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} حين عصيتك، وما صنعت من شيء فلم أعبد غيرك.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لمّا أراد الله سبحانه حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا ولا تكسر له عظمًا، فأخذه ثمّ هوى به إلى مسكنه في البحر، فلمّا انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله سبحانه إليه وهو في بطن الحوت: إنّ هذا تسبيح دوابّ البحر، قال: فسبّح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنّا لنسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة قال: ذاك عبدي يونس عصاني، فحبسته في بطن الحوت، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كلّ يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله سبحانه {وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145]».
وروى أبو هلال محمد بن سليمان عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: أتى جبرئيل يونس عليهما السلام فقال له: انطلق إلى السفينة، فركبها فاحتبست السفينة فساهموا فسهم، فجاء الحوت يبصبص بذنبه فنودي الحوت: إنّا لم نجعل يونس لك رزقًا، إنّا جعلناك له حرزًا ومسجدًّا، فالتقمه الحوت فانطلق به من ذلك المكان حتى مرّ به على الإبلّة، ثمَّ مرَّ به على دجلة ثم انطلق حتى ألقاه في نينوى، فكان ابن عباس يقول: إنّما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت، ودليل هذا القول أنَّ الله تعالى ذكر قصة يونس في سورة والصافّات ثم عقّبها بقوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147].
وقال الآخرون: بل كانت قصّة الحوت بعد دعائه قومه وتبليغهم رسالة ربّه كما قد بيّنا ذكره.
{فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين} من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.
وروى على بن زيد عن سعيد بن المسيّب قال: سمعت سعد بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متّى قال: فقلت: يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس خاصة وللمؤمنين عامّة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله تعالى: {فنادى فِي الظلمات} إلى قوله: {وكذلك نُنجِي المؤمنين}» وهو شرط الله لمن دعاه بها.
واختلفت القراءة في قوله: {ننج} فقرأه العامة بنونين الثانية منهما ساكنة من الإنجاء على معنى نحن ننجي، فإن قيل: لم كتبت في المصاحف بنون واحدة؟ قيل: لأنّ النون الثانية لمّا سكنت وكان الساكن غير ظاهر على اللسان حذفت، كما فعلوا ذلك بإلاّ فحذفوا النون من لجعلها أو كاشفة إذا كانت مدغمةً في اللام، وقرأ ابن عامر وعاصم برواية ابن بكر {نُنجِي المؤمنين} بنون واحدة وتشديد الجيم وتسكين الياء، واختلف النحاة في هذه القراءة فمنهم من صوّبها وقال: فيه إضمار معناه: نجي المؤمنين كما يقال: ضرب زيدًا بمعنى ضرب الضرب زيدًا. قال الشاعر:
ولو ولدت قفيرة جرو كلب ** لسُبَّ بذلك الجرو الكلابا

أراد لسبّه بذلك الجرو ولسبّ الكلابا.
قالوا: وإنّما سكّن الياء في نجّي كما سكّنوها في بقر فقالوا بقره ونحوها وإنّما اتبع أهل هذه القراءة المصحف لأنّها مكتوبة بنون واحدة.
وقال القتيبي: من قرأ بنون واحدة والتشديد فإنّه أراد ننجي من التنجية إلاّ أنّه أدغم وحذف نونًا على طلب الخفّة.
وقال النحويون: وهو رديء لبعد مخرج النون من الجيم، وممن جوّز هذه القراءة أبو عبيد، وأما أبو حاتم السجستاني فإنه لحّنها ونسب قارئها إلى الجهل وقال: هذا لحن لا يجوز في اللغة، ولا يحتج بمثل ذلك البيت على كتاب الله سبحانه وتعالى إلاّ أن يقول: وكذلك نُجي المؤمنين، ولو قرئ كذلك لكان صوابًا، والله أعلم.
{وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى} دعا {رَبَّهُ} فقال: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا} وحيدًا لا {وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} ولد لي ولا عقب وارزقني وارثًا، ثمّ ردّ الأمر إلى الله سبحانه فقال: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} بأن جعلناها ولودًا بعد ما كانت عقيمًا، قاله أكثر المفسّرين، وقال بعضهم: كانت سيئة الخلق فأصلحها له بأن رزقها حسن الخلق.
{إِنَّهُمْ} يعني الأنبياء الذين سمّاهم في هذه السورة.
{كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} خوفًا وطمعًا رغبًا في رحمة الله ورهبًا من عذاب الله، وقرأ الأعمش، رُغبًا ورُهبًا بضم الراء وجزم الغين والهاء وهما لغتان مثل السقم والسُقم والثَكل والثُكل والنَحل والنُحل والعَدم والعُدم.
{وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} خاضعين متواضعين.
{والتي أَحْصَنَتْ} حفظت ومنعت {فَرْجَهَا} ممّا حرم الله سبحانه وهي مريم بنت عمران {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا} أي أمرنا جبرئيل حتى نفخ في جيب درعها وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها، وأضاف الروح إليه على معنى الملك والتشريف لمريم وعيسى بتخصيصها بالإضافة إليه.
{وَجَعَلْنَاهَا وابنها آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} أي دلالة على كمال قدرتنا وحكمتنا، حمل امرأة بلا مماسّة ذكر، وكون ولد من غير أب، وإنّما قال: {آية} ولم يقل آيتين لأن معنى الكلام وجعلنا شأنهما وأمرهما آية للعالمين.
{إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ} ملّتكم {أُمَّةً وَاحِدَةً} ملّة واحدة وهي الإسلام فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان، وأصل الأُمّة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت بالشريعة أُمة واحدة لاجتماع أهلها بها على مقصد واحد، ونصب أمّة على القطع، وقرأ ابن أبي إسحاق أُمّةٌ بالرفع على التكرير.
{وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاعبدون وتقطعوا أَمْرَهُمْ} أي اختلفوا في الدين صاروا فيه فرقًا وأحزابًا، ثم قال: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} فنجزيهم بأعمالهم.
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} لا نبطل عمله ولا نجحده بل يُشكر ويثاب عليه {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} لعمله حافظون.
{وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ} قرأ أهل الكوفة: وحِرْم بكسر الحاء وجزم الراء من غير ألف، وقرأ الآخرون: وحرام، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم، هما لغتان مثل حِلْ وحلال.
قال ابن عباس: معنى الآية {وحرامٌ على قرية} أي أهل قرية {أَهْلَكِناهَا} أي يرجعون بعد الهلاك وعلى هذا التأويل يكون لا صلة مثل قول العجاج:
في سر لا حورى سرى وما شعر

أي في سر حور.
وقال الآخرون: الحرام بمعنى الواجب كقول الخنساء:
وإنّ حراما لا أرى الدهر باكيًا ** على شجوه إلاّ بكيت على عمرو

وعلى هذا التأويل يكون لا ثابتًا.
وقال جابر الجعفي: سألت أبا جعفر عن الرجعة فقرأ هذه الآية.
{حتى إِذَا فُتِحَتْ} قرأه العامة بالتخفيف، وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب بالتشديد على الكسرة.
{يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} ومعنى الآية فرّج السد عن يأجوج وماجوج، وقد ذكرنا قصتهما بالشرح.
وروى منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوّل الآيات الدجّال، ونزول عيسى، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، والدخان والدابّة، ثم يأجوج وماجوح. قال حذيفة: قلت: يارسول الله ما يأجوج وماجوج؟ قال: أُمم، كلّ أُمّة أربعمائة ألف أُمّة، لا يموت الرجل منهم حتى يرى ألف عين تطرف بين يديه من صلبه، وهم ولد آدم عليه السلام فيسيرون إلى خراب الدنيا، ويكون مقدمتهم بالشام وساقهم بالعراق، فيمرّون بأنهار الدنيا فيشربون الفرات ودجلة وبحر الطبرية حتى يأتوا بيت المقدس فيقولوا: قد قتلنا أهل الدنيا، فقاتلوا من في السماء فيرمون بالنشّاب إلى السماء، فيرجع نشابهم مخضّبة بالدم فيقولون: قد قتلنا من في السماء وعيسى والمسلمون بجبل طور سينين فيوحي الله سبحانه إلى عيسى أن احرز عبادي بالطور وما يلي، ثمَّ إنّ عيسى يرفع يديه إلى السماء، ويؤمّن المسلمون، فيبعث الله سبحانه عليهم دابّة يقال لها النغف تدخل في مناخرهم فيصبحون موتى من حاقّ الشام إلى حاق المشرق حتى تنتن الأرض من جيَفهم ويأمر الله سبحانه السماء فتمطر كأفواه القرب فتغسل الأرض من جيفهم ونتنهم، فعند ذلك طلوع الشمس من مغربها».
{وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ} أي نشز وتلّ {يَنسِلُونَ} يخرجون مشاة مسرعين كنسلان الذئب.
واختلف العلماء في هذه الَكِناية فقال قوم: عنى بهم يأجوج وماجوج، واستدَلّوا بحديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يفتح يأجوج وماجوج فيخرجون على الناس كما قال الله سبحانه {مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} فيغشون الأرض».
وروى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عن عيسى قال:
«قال عيسى: عهد إلى ربي أنّ الدجّال خارج وأنّه مهبطي إليه، فذكر أنّ معه قصبتين فإذا رآني أهلكه الله، قال: فيذوب كما يذوب الرصاص حتى أنَّ الشجر والحجر ليقول: يا مسلم هذا كافر فاقتله، فيهلكهم الله عزّ وجلّ ويرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فيستقبلهم يأجوج وماجوج من كلّ حدب ينسلون، لا يأتون على شيء إلاّ أهلكوه ولا يمرّون على ماء إلاّ شربوه».
وقال آخرون: أراد جميع الخلق، يعني أنّهم يخرجون من قبورهم ومواضعهم فيحشرون إلى موقف القيامة، تدلّ عليه قراءة مجاهد: وهم من كلّ جدث بالجيم والثاء يعني القبر اعتبارًا بقوله سبحانه {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} [يس: 51].
{واقترب الوعد الحق} يعني القيامة، قال الفرّاء وجماعة من العلماء: الواو في قوله: {واقترب} مقحم ومجاز الآية: حتى إذا فتحت يأجوج وماجوج اقترب الوعد الحقّ، نظيرها قوله: {فَلَمَا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ} [الصافات: 103- 104] أي ناديناه. قال امرؤ القيس:
فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى ** بباطن خبت ذي قفاف عقنقل

يُريد انتحى، ودليل هذا التأويل حديث حذيفة قال: لو أنّ رجلًا اقتنى فلوًّا بعد خروج يأجوج وماجوج لم يركبه حتّى تقوم الساعة.
وقال الزجّاج: البصريون لا يجيزون طرح الواو ويجعلون جواب حتى إذا فتحت في قوله: {يا ويلنا} وتكون مجازًا الآية {حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومأجُوجُ} {واقترب الوعد} {ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا}.
{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كَفَرُواْ} في قوله: {هِيَ} ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون هي كناية عن الأبصار ويكون الأبصار الظاهرة بيانًا عنها كقول الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ** ألا فرَّعنّي مالك بن أبي كعب

فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها فيكون تأويل الكلام: فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا.
والثاني: أن تكون هي عمادًا كقوله: {فَإنّها لا تَعْمى الأبصارُ}، وكقول الشاعر:
فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس

والثالث: أن يكون تمام الكلام عند قوله: {هِيَ} على معنى هي بارزة واقفة يعني: من قربها كأنّها آتية حاضرة، ثم ابتدأ {شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الذين كَفَرُواْ} على تقديم الخبر على الابتداء مجازها: أبصار الذين كفروا شاخصة من هول قيام الساعة، وهم يقولون {ياويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا} أي من هذا اليوم {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} بمعصيتنا ربَّنا ووضعنا العبادة في غير موضعها.
{إِنَّكُمْ} أيها المشركون {وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني الاصنام {حَصَبُ جَهَنَّمَ} قراءة العامة بالصاد أي وقودها عن ابن عباس.
وقال مجاهد وقتادة وعكرمة: حطبها، وذُكر أنَّ الحصب في لغة أهل اليمن الحطب.
الضحّاك: يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء، وأصل الحصب الرمي يقال: حصبت الرجل إذا رميته، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا} [القمر: 34] يعني ريحًا ترميهم بالحجارة وقرأ ابن عباس: حَضَب بالضاد، وهو كل ما هيّجت وأُوقدت به النار، ومنه قيل لدقاق النار: حَضبٌ، وقرأ على وعائشة: ولاهو بن حميد: حطب بالطاء نظيرها قوله سبحانه {وقودها الناس والحجارة}.
{أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} أي فيها داخلون {لَوْ كَانَ هؤلاء} الأصنام {آلِهَةً} على الحقيقة {مَا وَرَدُوهَا} يعني ما دخل عابدوها النار، بل منعتها {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} يعني العابد والمعبود.
{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ} قال ابن مسعود في هذه الآية: إذا بقي في النار من يخلد فيها جُعلوا في توابيت من نار، ثم جُعل التوابيت في توابيت أُخرى، ثم جعلت التوابيت في أُخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئًا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدًا يُعذّب غيره.
ثم استثنى فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ} قال قوم من العلماء: إنّ ها هنا بمعنى إلاّ وليس في القرآن سواهـ. والسبق تقدّم الشيء على غيره.